آفـات اللـسـان
إن آفات اللسان أسرع الآفات بالإنسان للوقوع في الهلاكوالخسران؛ لذلك قبل ذكرها لا بد من التذكير بأصل مهم وهو
وجـــــوب حـفــظ اللـــسـان
فلقد أنعمالله-عز وجل على الإنسان بنعمة السمع والأبصار والأفئدة, وشق للعبد الفم في أحسنموضع وأودعه اللسان الذي هو أحد آياته الدالة على عظمة الخالق-جل وعلا- ولطائفصنعه
فاللسان من نعم الله-عز وجل-العظيمة, فهو المترجم عما حواه قلب العبدوعقله, وهو الحد الفاصل بين الإيمان والكفر, فلا يتبيّن إيمان العبد إلا بشهادةاللسان, ومن هنا ندرك حكمة الله البالغة من خلق اللسان وهي ذكر الله تعالى, وتلاوةالقرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وإرشاد الناس إلى معرفة دينهم
- فإذا استعملناه لغير ما خلق له كفرنا نعمة الله فينا, لأن اللسان أعظم آلة للشيطانفي إضلال بني آدم, فمن أطلقه ساقه إلى شفا جرف هار فانهار به في نارجهنم-والعياذبالله
ولهذا لما سأل الصحابي الجليل-معاذ بن جبل-رضي الله عنه- النبي-صلىالله عليه وسلم
يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قاللقد سألت عظيما وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيمالصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنةوالصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النار الماء وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { جزاء بما كانوا يعملون } ثم قال: ألا أخبركبرأس الأمر وعموده وذروة سنامه الجهاد ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلىفأخذ بلسانه فقال تكف عليك هذا قلت: يا نبي الله وإنا المؤاخذون بما نتكلم به قالثكلتك أمك يا معاذ هل يكب الناس على { وجوههم في النار } إلا حصائد ألسنتهم»رواهالترمذي وابن ماجه -صحيح
-فظاهر حديث -معاذ-رضي الله عنه-أن اللسان قد يكونسببا في دخول الإنسان النار؛ بل ورد ما يدل على أن أكثر ما يدخل الناس النار النطقبألسنتهم؛ فقد سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-عن أكثر ما يدخل الناس الجنةفقال:«تقوى الله وحسن الخلق» وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال:«الفموالفرج»رواه الترمذي -حسن
وهذا يدل على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيالسانه, فإن أكثر المعاصي منه, لقوله-عليه الصلاة والسلام« أكثر خطايا ابن آدم فيلسانه»-صحيح الجامع-. فمن وقي شر اللسان والفرج وقى أعظم الشر
ولهذا كانالنبي-صلى الله عليه وسلم-يوصي الصحابة بالصمت ويحث عليه, فكان يقول:«من صمتنجا»رواه الترمذي -صحيح
وقال –للأعرابي-الذي سأله أن يعلمه عمل يدخله الجنة, فقال:« إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة فإن لم تطقذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكفلسانك إلا عن خير»-صحيح الترغيب والترهيب
وقال أيضا لمعاذ بن جبل-رضي اللهعنه-:«إنك لن تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب لك أو عليك»-صحيح الترغيبوالترهيب
وعن عقبة بن عامر-رضي الله عنه-قال: قلت:«يا رسول الله ما النجاة قالأمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك»رواه الترمذي-صحيح
وعن سفيان بنعبد الله الثقفي قال:«قلت: يا رسول الله حدثني بأمر اعتصم به قال: قل ربي الله ثماستقم قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي فأخذ بلسان نفسه ثم قال هذا»رواهالترمذي-صحيح
وقال-صلى الله عليه وسلم-:«رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عنسوء فسلم»-صحيح الجامع
وقال-صلى الله عليه وسلم-:«ومن كان يؤمن بالله واليومالآخر فليقل خيرا أو ليصمت»رواه البخاري
وقال-صلى الله عليه وسلم-:«إذا أصبح بنآدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّرُ اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإناستقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا»رواه الترمذي-حسن-.(تُكَفِّرُ اللسان معناه: تتذلل له وتتواضع له
وقال-صلى الله عليه وسلم-:« ليس شيء من الجسد إلا وهو يشكوذَرَب اللسان»-صحيح الجامع-(ذرب اللسان:حِدَّته
وهذا يدل على أن لسان المرء إذااستقام استقامت سائر الجوارح وصلحت جميع أعماله؛ وإذا اعوج لسانه اعوجت سائر جوارحهوفسد سائر عمله
ولذلك قال-صلى الله عليه وسلم-:« لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيمقلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه»-صحيحالترغيب والترهيب
-قال يونس بن عبـيد:" ما من الناس أحد يكون منه لسانه على بالإلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله"
-وَقَالَ الْحَسَنُ : " اللِّسَانُ أَمِيرُ الْبَدَنِ إذَا جَنَىعَلَى الْأَعْضَاءِ شَيْئًا جَنَتْ , وَإِذَا عَفَّ عَفَّتْ " (غذاء الألباب في شرحمنظومة الآداب
فدلت هذه الأحاديث المستفيضة على أن كفّ اللسان وحبسه هو المطلوب, فإن نطق به في الخير سلم وفاز في الآخرة, كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-«منيضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»رواه البخاري
وإن أطلقه فيالشر خاب وخسر في الآخرة, قال-صلى الله عليه وسلم-:« أكثر ما يدخل الناس النارالفموالفرجوعلى إثر هذه التوصيات النبوية الثمينة, كان السلف رضوان الله عليهم- أشد الناس خوفا من شر اللسان, وهذه آثارهم تدل على حالهم
فثبت « أن عمر دخل يوما على أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- وهو يجبذ لسانه فقال: عمر مه غفر الله لكفقال له أبو بكر: إن هذا أوردني شر الموارد»-صحيح الترغيب والترهيب
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال:« والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان»-صحيح الترغيب والترهيب
ويروى عنه أيضا أنه كان على الصفايلبـي ويقول: «يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، فقيل له ياأبا عبد الرحمن أهذا شيء، تقوله أو شيء سمعته؟ فقال: لا بل سمعت رسول الله يقول: «إنَّ أَكْثَرَ خَطَايا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ
وقال رجل لسلمان-رضي اللهعنه-:«أوصني, قال: لا تتكلم, قال: وكيف يصبر رجل على أن لا يتكلم, قال: فإن كنت لاتصبر على الكلام فلا تتكلم إلا بخير أو اصمت
ويروى عن أنس بن مالك رضي اللهعنهقال:«لا يتقي الله عز وجل رجل أو أحد حق تقاته حتى يخزن من لسانه»شعب الإيمان 4/259
^ ويحكى أن رجلاً نظر إلى رجل مكثار فقال:«يا هذا ويحك إنما تملي كتابا إلى ربك يقرأ على رؤوس الأشهاد يوم الشدائد والأهوال وأنت عطشان عريان جوعان فانظرماذا تملي»
شعب الإيمان 4/269
إذن فخطر اللسان عظيم عظم ما يجنيه على صاحبه من الويلات والمفاسد عاجلا وآجلا, لذلك ينبغي على المسلم الحريص أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق, فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم والا أمسك, فإن النجاة كل النجاة في حفظه وحبسهإلا من خير
وَرُوِيَ عنِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّهُ أَنْشَدَبِلِسَانِه